يُعدّ متصفح Comet الذي أطلقته شركة Perplexity AI في يوليو 2025 من أبرز الابتكارات الحديثة في عالم تصفح الإنترنت. فهو لا يمثل مجرد متصفح تقليدي يعتمد على بنية Chromium، بل يقدّم مفهومًا جديدًا تمامًا يُعرف بـ المتصفح الوكيلي (Agentic Browser)، أي المتصفح الذي يستطيع أن يفهم نية المستخدم ويتصرّف بالنيابة عنه في تنفيذ المهام المعقدة.
وفقًا لتقرير صادر عن Reuters (2025)، فإن هذا الابتكار يهدف إلى منافسة المتصفحات الكبرى مثل Google Chrome وMicrosoft Edge عبر دمج الذكاء الاصطناعي في البنية الداخلية للمتصفح نفسه وليس كإضافة منفصلة.
أولاً: البنية التقنية لمتصفح Comet
بُني متصفح Comet على إطار Chromium مفتوح المصدر، مما يتيح له دعم جميع امتدادات متصفح كروم الشائعة، بالإضافة إلى إمكانية استيراد الإشارات المرجعية (bookmarks) وكلمات المرور وسجل التصفح بسهولة.
غير أن الفارق الجوهري بين Comet وكروم يتمثل في أن الذكاء الاصطناعي مدمج في صميم تجربة الاستخدام. فالمساعد الذكي في Comet لا ينتظر أوامر المستخدم الصريحة فحسب، بل يتفاعل مع سياق التصفح لفهم ما يحتاجه المستخدم واستباق خطواته التالية، وهو ما تسميه Perplexity بـ “السياق المستمر” (Continuous Context).
ثانيًا: المميزات الذكية لمتصفح Comet
من أبرز خصائص Comet وجود مساعد ذكي مدمج يُعرف باسم Comet Assistant أو AI Sidebar. هذا المساعد قادر على تلخيص المقالات الطويلة، وإرسال رسائل البريد الإلكتروني نيابة عن المستخدم، وإدارة التقويم والمواعيد، بل وأداء مهام متعددة الخطوات مثل مقارنة المنتجات عبر مواقع مختلفة أو استخراج بيانات من صفحات متعددة لتجميعها في تقرير واحد.
يشير تقرير Search Engine Journal (2025) إلى أن تجربة البحث في Comet تختلف عن المتصفحات التقليدية؛ إذ لا يعرض المتصفح قائمة روابط فقط، بل يقدّم إجابات مختصرة ومُلخّصات غنية بالسياق، مما يحوّل عملية البحث من مجرد تنقّل بين صفحات إلى تجربة معرفية متكاملة.
كذلك، يوفّر المتصفح نظامًا متقدمًا لتنظيم علامات التبويب (Tabs) يُعرف بـ Workspaces، يتيح للمستخدم تجميع التبويبات حسب المشاريع أو المواضيع. هذا التصميم يقلل من التشتت ويساعد على التركيز في المهام البحثية أو الأكاديمية.
أما من حيث الأتمتة، فيتيح Comet تنفيذ مهام مثل حجز المواعيد وملء النماذج وتحويل صفحات الإنترنت إلى ملخصات أو رسائل بريد إلكتروني دون الحاجة إلى الانتقال بين تطبيقات متعددة، وهو ما يجعل التجربة أكثر ترابطًا وسلاسة.
ثالثًا: الفوارق عن المتصفحات التقليدية
بينما تعتمد متصفحات مثل Chrome وEdge على إضافات خارجية لتوفير ميزات الذكاء الاصطناعي، فإن Comet يدمج هذه القدرات في بنية المتصفح الأصلية، ما يمنحه سرعة في المعالجة وسياقًا تفاعليًا أكثر دقة.
تقرير Indian Express (2025) يؤكد أن هذا الدمج يجعل Comet مختلفًا نوعيًا عن بقية المنافسين، إذ يستطيع المستخدم العمل ضمن بيئة واحدة متكاملة تشمل البحث، القراءة، التلخيص، وإدارة المعلومات.
كما يدعم المتصفح بيئة Chromium الكاملة، مما يُسهِّل الانتقال من Chrome إليه دون خسارة البيانات أو الأدوات السابقة. وتُعتبر هذه السمة أحد أسباب اهتمام الباحثين والمبرمجين بتجربته، لأنه يجمع بين المألوف (واجهة كروم) والجديد (الذكاء المدمج).
رابعًا: التحديات الأمنية والخصوصية
رغم التطور الكبير في Comet، فقد أثارت بعض التقارير قضايا أمنية مهمة.
تقرير Time Magazine (2025) أشار إلى خطر ما يُعرف بـ حقن الأوامر (Prompt Injection)، حيث يمكن للمهاجمين إخفاء أوامر خبيثة داخل صفحات الإنترنت بحيث تُرسل تلقائيًا إلى المساعد الذكي، مما قد يؤدي إلى تسريب بيانات حساسة.
كما حذّرت مراجعات أمنية من Tom’s Hardware وBrave Security Labs (2025) من أن المتصفحات التي تعتمد على وكلاء ذكاء اصطناعي قد تكون أكثر عرضة لهجمات التصيّد والبرمجيات الخبيثة مقارنة بالمتصفحات التقليدية ذات أنظمة الأمان المجرّبة منذ سنوات.
من جهة أخرى، أشار بعض المستخدمين إلى مشكلات في الأداء مثل بطء استجابة الذكاء الاصطناعي أو ارتفاع استهلاك الموارد في الأجهزة محدودة الإمكانات، خاصة في الإصدارات التجريبية الأولى، وفقًا لمناقشات منشورة على Reddit (2025).
خامسًا: الوضع الراهن والإتاحة
تم إطلاق Comet رسميًا في 9 يوليو 2025، وفق تقرير Reuters، وكان متاحًا في البداية لمشتركي فئة Perplexity Max فقط، قبل أن يتم توسيع الوصول إليه ليشمل المستخدمين المجانيين في عدة دول.
يُشير تقرير The Verge إلى أن Perplexity تهدف إلى جعل Comet منصة موحدة تجمع بين التصفح والبحث وإدارة المعرفة الشخصية، في إطار منافسة مباشرة مع Google في مجال الذكاء الاصطناعي للويب.
رغم التوسّع السريع، ما يزال Comet في مرحلة التطوير، ويُتوقّع أن يخضع لتحديثات أمنية وأدائية متكرّرة خلال الفترة القادمة.
سادسًا: الاستخدام الأكاديمي والبحثي
من منظور أكاديمي، يقدّم Comet إمكانيات مهمة للباحثين والطلاب، منها:
-
تسريع عملية مراجعة الأدبيات العلمية عبر التلخيص التلقائي للأبحاث والمقالات.
-
تنظيم العمل البحثي ضمن مساحات مخصصة (Workspaces) تربط بين المواقع، الملاحظات، والمصادر.
-
تكامل المعلومات عبر السياق، بحيث يمكن استدعاء ما تم تلخيصه أو مناقشته في تبويبات سابقة دون الحاجة لإعادة البحث.
ومع ذلك، يجب توخي الحذر في الاعتماد الكامل على ملخصات الذكاء الاصطناعي دون التحقق من دقتها الأكاديمية، خاصة أن بعض الدراسات (مثل تقارير eWeek وSearch Engine Journal) أشارت إلى أن الملخصات قد تُغفل أحيانًا تفاصيل منهجية دقيقة.
خاتمة
يُعدّ متصفح Comet علامة فارقة في تطور التفاعل بين الإنسان والآلة في بيئة الإنترنت. فهو لا يسعى إلى تحسين تجربة التصفح فحسب، بل إلى إعادة تعريفها من خلال جعل الذكاء الاصطناعي جزءًا عضويًا من البنية الوظيفية للمتصفح.
ومع ذلك، يبقى نجاح هذه التجربة مرتبطًا بقدرة الشركة على معالجة التحديات الأمنية وضمان الشفافية في إدارة البيانات والمصادر.
إنّ Comet يُقدّم نموذجًا مبكرًا لما قد يصبح جيل المتصفحات الخامس، حيث يتحول المتصفح من أداة وصول إلى الإنترنت إلى شريك معرفي فعّال في إنتاج وتنظيم المعلومات.
المراجع (مرتبة زمنيًا حسب النشر):
-
Reuters. Nvidia-backed Perplexity launches AI-powered Comet browser. (9 July 2025).
-
The Verge. Perplexity’s Comet browser now available to everyone. (July 2025).
-
Indian Express. Explained: What is Comet, Perplexity’s new AI-powered agentic browser? (July 2025).
-
Search Engine Journal. Perplexity launches Comet browser for free worldwide. (July 2025).
-
eWeek. Comet AI browser: Review and early impressions. (August 2025).
-
Time Magazine. AI browsers like Perplexity’s Comet pose new security risks. (August 2025).
-
Tom’s Hardware. Security audits reveal vulnerabilities in AI-powered browsers. (September 2025).
-
Reddit. User experiences with Comet beta performance. (September 2025).
